تهجير سكان غزة.. مخطط إسرائيلي ورفض عربي
سكاي نيوز عربية -

وأكدت القاهرة موقفها الرافض بشكل قاطع لتحويل معبر رفح إلى بوابة تهجير، مشددة على أن دورها يتمثل في دعم صمود الفلسطينيين وإيصال المساعدات الإنسانية لا المشاركة في إفراغ القطاع من سكانه.

هذا السجال السياسي والدبلوماسي فتح الباب واسعا أمام أسئلة حول مدى قدرة إسرائيل على المضي في مخططها في ظل الرفض العربي، وما إذا كانت ستتراجع تحت ضغط المواقف الإقليمية والدولية، خاصة أن القاهرة أوضحت أن أي خطوة في هذا الاتجاه تمثل تهديدا مباشرا لأمنها القومي وخرقا لاتفاقية السلام الموقعة عام 1979.

رفض مصري راسخ

وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي كان واضحا حين أكد أن معبر رفح لن يكون منفذا لتهجير الفلسطينيين من أرضهم، مذكرا بأن مصر تضع على رأس أولوياتها إدخال المساعدات الإنسانية للقطاع المحاصر.

هذا الموقف تبلور في ظل إدراك مصري أن أي تهجير قسري يعني تصفية القضية وإجهاض فكرة الدولة الفلسطينية والقضاء على أمل حل الدولتين.

وأوضح الباحث في مركز الأهرام للدراسات بشير عبد الفتاح خلال حديثه إلى "غرفة الأخبار" على سكاي نيوز عربية، أن القاهرة تتعامل مع القضية من منطلقات قانونية وسياسية ثابتة، إذ ترى أن أي إخراج للفلسطينيين من أرضهم يمثل نهاية لمشروع الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.

وأشار عبد الفتاح إلى أن ما يطرحه نتنياهو ليس سوى "هجرة قسرية إجبارية" تحاول الدعاية الإسرائيلية تصويرها على أنها طوعية، بينما هي في الحقيقة عملية إكراه عبر الحصار والقتل والتجويع.

الموقف المصري، وفق عبد الفتاح، يستند أيضا إلى التزامات قانونية، أبرزها اتفاقية جنيف لعام 1949 وبروتوكولها الإضافي لعام 1977، اللذان يجرمان التهجير القسري ويصنفانه جريمة حرب.

كما أن اتفاقية السلام لعام 1979 تنص على عدم اتخاذ أي طرف لإجراءات تضر بأمن الطرف الآخر، وهو ما يعني أن فتح المعبر لتهجير الفلسطينيين يضر مباشرة بالأمن القومي المصري.

وأضاف أن اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات تمنح القاهرة الحق في الانسحاب من اتفاقية السلام إذا أقدمت إسرائيل على إجراءات تمس أمنها القومي، مشيرا إلى أن المادة 60 من الاتفاقية تتيح هذا الخيار، ومن ثم، فإن أي فرض للتهجير قد يعيد الأوضاع إلى ما قبل 1979، أي إلى حالة الحرب.

ويرى عبد الفتاح أن ما يحدث اليوم يعيد إلى الأذهان نكبة عام 1948، حين تم تهجير 800 ألف فلسطيني قسرا على يد العصابات الصهيونية مثل "الهاغاناه" و"البلماخ" و"شتيرن". ويؤكد أن السيناريو ذاته يتكرر الآن، لكن هذه المرة على نطاق أوسع قد يشمل نحو مليوني فلسطيني.

ويشدد على أن الحديث عن "هجرة طوعية" محض مغالطة، إذ لا يمكن وصف هروب الناس من القصف والجوع بالقرار الطوعي، فالفلسطينيون لا يرغبون في مغادرة أرضهم لكنهم يجبرون على ذلك تحت وطأة العدوان.

في المقابل، قدم عضو الكنيست الإسرائيلي أكرم حسون رواية مغايرة، إذ قال إن إسرائيل لم تجبر أي فلسطيني على مغادرة غزة إلى مصر، بل إن عشرات الآلاف طلبوا ذلك طوعا بعد دخول الجيش الإسرائيلي إلى مناطقهم.

وأوضح أن إسرائيل طلبت فتح معبر رفح استجابة لهذه الرغبات، معتبرا أن القاهرة أساءت فهم الموقف.

وشدد حسون على أن العلاقة بين إسرائيل ومصر مستمرة منذ 4 عقود على أساس الاحترام والتقدير، وأن إسرائيل لا تسعى إلى الإضرار بهذه العلاقة.

كما لفت إلى أن مصر لعبت دورا مهما في الوساطة بصفقات تبادل الأسرى، وأن إسرائيل تقدر هذا الدور.

أما بشأن الحرب الجارية، فقد أكد حسون أن الهدف الأساسي لإسرائيل هو "القضاء على حماس بكل ثمن"، معتبرا أن استمرار وجود الحركة في غزة يشكل تهديدا دائما.

وأشار إلى أن الحل من وجهة نظر إسرائيل يتمثل في إخراج حماس وتمكين السلطة الفلسطينية أو جهات عربية، مثل مصر، من إدارة القطاع.

الصدام بين الروايتين

هنا يتضح الصدام بين الرواية المصرية والرواية الإسرائيلية: الأولى ترى أن ما يجري محاولة منظمة لإفراغ غزة وإعادة إنتاج النكبة، بينما الثانية تصر على أن الأمر مجرد استجابة لرغبات فردية لفلسطينيين يسعون للخروج المؤقت من دائرة الحرب.

لكن عبد الفتاح رد على هذه الرواية معتبرا أنها "تضليل للرأي العام"، ومؤكدا أن الفلسطينيين لم يطلبوا الهجرة سعيا وراء فرص عمل أو تعليم، بل وجدوا أنفسهم بين خيارين: الموت أو النزوح.

وأوضح أن نتنياهو نفسه هو من يطرح مشروع "إسرائيل الكبرى" ويتحدث عن إنهاء حل الدولتين، ما يجعل تصريحاته تعبيرا عن توجه استراتيجي لا مجرد مناورة.

ومن بين القضايا التي زادت التوتر بين القاهرة وتل أبيب مسألة الغاز، فقد لوحت إسرائيل مؤخرا بقطع الإمدادات عن مصر، في محاولة للضغط عليها بشأن معبر رفح، إلا أن القاهرة ردت بصرامة مؤكدة أن البدائل متاحة، ومشددة على أن إسرائيل هي المستفيد الأكبر من هذه الشراكة، حيث تقوم مصر بتسييل الغاز وإعادة تصديره إلى أوروبا.

ويرى عبد الفتاح أن هذا التلويح لا يعدو كونه ورقة ضغط سياسية، إذ لا تستطيع إسرائيل تحمل خسارة هذه الصفقة، ومع ذلك فإن تهديد نتنياهو باستخدام ورقة الطاقة يكشف حجم التوتر والارتباك داخل إسرائيل، خاصة في ظل الضوء الأخضر الذي يعتقد أنه تلقاه من واشنطن لممارسة مزيد من الضغوط على دول المنطقة.

ويعتبر عبد الفتاح أن موقف واشنطن عنصر أساسي في هذه الأزمة، إذ منح الرئيس الميركي دونالد ترامب نتنياهو دعما واسعا لتحقيق مشروع "إسرائيل الكبرى"، بما يشمل تصفية القضية الفلسطينية وتوسيع السيطرة الإسرائيلية في المنطقة.

ووفقا له، فإن نتنياهو استغل هذا الدعم لتهديد دول عدة، من بينها إيران وتركيا ومصر، فضلا عن مواصلة الحرب على الفلسطينيين، لكن عبد الفتاح شدد على أن الكرة الآن في ملعب واشنطن، مؤكدا أن استمرار الدعم الأميركي لنتنياهو قد يضر بمصالح الولايات المتحدة في المنطقة ويضعف علاقاتها مع الدول العربية.

وأشار إلى أن دولة الإمارات كانت واضحة حين اعتبرت أن ضم الضفة الغربية "خط أحمر" سيؤدي إلى انهيار الاتفاقات الإبراهيمية.

التوازنات الداخلية في إسرائيل

رغم الدعم الأميركي فإن الداخل الإسرائيلي يعاني انقسامات حادة، فالمعارضة تتظاهر منذ عامين ضد سياسات نتنياهو، لكنها لم تنجح في تغيير مساره.

أما حسون، فاعتبر أن هذه المظاهرات تعبير ديمقراطي لا يغير حقيقة أن استطلاعات الرأي تمنح حزب نتنياهو الصدارة، مما يعني أن غالبية الإسرائيليين ما زالوا يدعمون توجهاته.

كما أكد أن نتنياهو جاد في المفاوضات المتعلقة بالأسرى، مشيرا إلى إرسال وفد رفيع المستوى إلى قطر بقيادة رئيس الموساد، لكنه شدد في الوقت ذاته على أن أي اتفاق لن يمنح حماس دورا في مستقبل غزة.



إقرأ المزيد