السيسي ولقاء نتنياهو
شبكة راية الإعلامية -

الكاتب: نبيل عمرو

غنيٌ عن التذكير بأن مصر هي الدولة العربية الأولى التي وقعّت معاهدة سلامٍ مع إسرائيل، وأن أمريكا كارتر هي من رعت المحادثات في كامب دافيد، وضغطت على مناحيم بيغن، للموافقة على أمورٍ كانت مستحيلةً بالنسبة له، وغنيٌ عن الذكر كذلك بأن المعاهدة المصرية الإسرائيلية، صمدت كما تصمد شجرةٌ هبّت عليها الرياح والعواصف من كل الجهات.

شاءت الأقدار أن يموت الثالوث الذي أنجز المعاهدة "كارتر بيغن السادات"، ولم يقترب أيٌ ممن جاء بعدهم من المعاهدة، حتى أن التهديد بالتراجع عنها لم يحدث.

لم تحقق المعاهدة تغييراً جذرياً في الصراع الشرق أوسطي، فقد خرجت الجيوش النظامية من حالة الحرب، ولكنّ حرباً أشد ضراوةً وأكثر خسارةً وقعت بالفعل، وها نحن نرى امتداداتها ومفاعيلها على الشرق الأوسط كله، وبؤرة هذه الحرب هي الساحات الثلاث اللبنانية والفلسطينية والسورية. هذا إذا ما نحيّنا جانباً احتمالات اتساعها لتصل اليمن وإيران.

المشترك بين محاولات السلام التي توصلت إلى اتفاقيات ما تزال صامدة، والمحاولة الراهنة أن الذي يتصدى للحل هو الرئيس الأمريكي.

في المحاولة الراهنة التي يقودها الرئيس ترمب، لا يُعرف هل لحسن حظه أم لسوءه بدأ المحاولة منذ الأيام الأولى لولايته، وما تزال أمامه ثلاث سنواتٍ كبيسة، فإمّا أن يدخل التاريخ بصفة صانع سلام، أو يخرج منه صفر اليدين كما خرج من جائزة نوبل ليحصل على جائزةٍ ملتبسةٍ منحتها له الفيفا!.

نحن العرب والمسلمون الذين أُرغمنا على التوحد لمواجهة غول الإبادة، ووقفه عند حد، فقد بايعنا الرئيس ترمب كرئيسٍ أعلى لمحاولة السلام، لعله يفعل مع فلسطين ولبنان ما فعله مع مصر والأردن.

حتى الآن تبدو جهود الرئيس ترمب قليلة المردود، دون إنكار أهمية خفض النار على غزة ولبنان، وعديمة المردود كذلك على سوريا التي ألقى زعيمها الشرع نفسه في أحضان ترمب مستجيراً به كمشروع تحالفٍ وتبعية ولا نحب استخدام كلماتٍ أصعب من ذلك.

جهود ترمب دعت إلى التفاؤل بفعل كونه الرئيس الوحيد القادر على الضغط على إسرائيل، غير أنه لم يستثمر جيداً في هذه القدرة، ولقد استفادت إسرائيل كثيراً من جهوده، إذ ما تزال طليقة اليد في ما تفعل على الجبهات الثلاثة، وطليقة اليد أكثر من أي وقتٍ مضى في الضفة، ولا يجوز أن تمر مرّ الكرام على الغطاء الذي وفره سفيره هاكابي لمشروع إقامة تسعة عشر مستوطنة على أراضي الضفة، المفترض أن تكون أراضي الدولة الفلسطينية، التي وعد ترمب بفتح مسارٍ سياسيٍ مضمونٍ لبلوغها، بما في ذلك إصداره قرار مجلس الامن بهذا الاتجاه.

الرئيس ترمب يحب الفعاليات الفاقعة، التي وإن كانت عديمة الجدوى إلا أنها تصلح للتباهي بها ومن ضمن هذه المحاولات مسعاه لجمع الرئيس عبد الفتاح السيسي مع بنيامين نتنياهو.

السيسي على حق عندما لا يلبي ودون ثمن مسعى ترمب، مثلما كان على حق حين اعتذر عن زيارة واشنطن، ذلك أن لقاءات الصورة والاستعراض دون ثمن تناسب نتنياهو كثيراً كي يسوّقها للناخبين في إسرائيل على أنها إنجازٌ هام يستحق استقطاب أصواتٍ بفعله.

إن ترمب ونتنياهو ينبغي أن يتعودا على أن نظرية أخذ كل شيء لقاء لا شيء لم تعد تعمل عند العرب والمسلمين، وأن لقاءات الصورة لم تعد ميزةً يُسعى إليها، فبقدر ما تأخذ يجب أن تعطي، وهذه قاعدةٌ إن أُهملت في الماضي إلا أنها صارت حقيقةً سياسيةً يجب أن ترقى إلى مستوى المبدأ في الحاضر.

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر شبكة راية الإعلامية.



إقرأ المزيد